الأربعاء، 6 فبراير 2013

التسمم كرها أو غشا أو جهالة


المعادن والفيتامينات، عناصر غذائية لا غني عنها، توجد في الاطعمة والاشربة بنسب طبيعية متفاوتة، مالم تتدخل عوامل تهلكها، مثل الحرارة او التحلل بتخزينها، أو إذا افتقرت اليها مصادرها في مياه الري، مثال ذلك، تحلل فيتامين ج المتوافر بكثرة في الموالح والخضر، عندما تترك لايام بعد قطفها، وتتعرض للتلوث بالسمام والكيماويات، ثم يتركها عندهم التجار ليحصلوا علي الثمن المرغوب، وتنتقل معها الملوثات إلي المنازل قبل تحزينها في المبرادات، بغير ان يلتفت إلي غسلها، فتلوث غيرها من الاغذية، مع نقصان قيمتها الغذائية.
كما يحدث مع حليب الحيوان- وذلك السائل عالي النقاء قبل خروجه من الضرع. وتعرضه للتلوث بالايدي أو بالذباب أو بآلات الحلب وبالمياه والتربية وبالاوعية الملوثة في مصانع الجبن- وأخطرها ميكروب الدرن وفيروس الالتهاب الكبدي- وكلها عوامل لايتخيلها المستهلك- وعليه الاحتياط!
ومع أهمية تواجد المعادن المكملة لقيمة الطعام، مثل الكالسيوم في اللبن، اللازم لنمو الاسنان والعظام وصيانتها، الا انها اذا زادت علي القدرة الذي يستطيع الجسم استيعابه، أو التخلص منه، فقد تتفاعل مع غيرها من العناصر لتكون بها حصوات أكزالات الكالسيوم أو أملاح الفوسفات بالمسالك البولية أو بالغدد اللعابية، أو قد تترسب علي جدران الاوعية الدموية، ويمكن اكتشافها بالتحاليل الدورية لسوائل الجسم.
غير ان هناك معادن وأحياء سامة، قد لا تؤثر علي الصحة، لضآلة نسبتها، وسرعة التخلص منها- وهو ما يسمي علميا »المقدار المسموح به« ولكنها قاتلة عندما يرتفع تركيزها، سواء أكانت بيولوجية مثل »كلوستيريديا »Botulinum« التي تعيش في معلبات الاغذية وينتج عنها غازات تسبب انتفاخ حاوياتها، دلالة علي سميتها، وكذلك الطفيل المنتج ل »ساكسي توكسين« الذي يعيش في الاسماك، مثل الفسيخ، وتظهر سميته خلال 03 دقيقة، تبدأ بوخزات مؤلمة بالجسم، وتنتهي بشلل تنفسي- وتقتل 01٪ من ضحاياه!
أما المعادن مثل الرصاص، الذي ينبعث من المسابك ومصانع البطاريات والبويات، أو تخمير »البيرة « أو الترسب في المواسير القديمة للمياه، فإن 5٪ من التسمم بالرصاص يمتص من الامعاء، بينما 04٪ يمتص في الرئتين من الهواء المشبع بعوادم السيارات والمحروقات، فتظهر علامات التسمم بالرصاص في شكل خط ارزق باللثة، فضلا عن »التأخر الذهني« وفقر الدم الذي يصيب الاطفال.
أما التسمم بالزئبق، فقد ظهر لأول مرة في خليج »مينا ماتا« الياباني عام 5691، وقد احدث في عاتلات الصيادين مرضا عصيبا، من جراء أكل الاسماك الملوثة به، بل وأصاب الاجنة باجتيازه حاجز المشيمة الدموي! كذلك تلوثت به الزراعات، ونتجت عنها عدة اصابات قاتلة في
باكستان عام 6691، كما اصيب الآلاف بالتسمم الزئبقي، في العراق عام 2791، وتوفي اكثر من 002 شخص بسبب الخبيز المنزلي بالقمح الملوث، كما يقضي الزئبق علي غذاء الاسماك بالكائنات الصغري في اعماق البحار Plankton وعلي هامش الحديث الدائر عن مياه النيل، التي تمر في اراضي عدد من الدول، وما قد تحمله من سمام صناعية أو زراعية أو مخلفات جيف الحيوانات النافقة، والفضلات الآدمية، التي تلوث النهر لعدم توافر الصرف الصحي في بعض البلدان الفقيرة، ومهما تناقصت سمية تلك الملوثات، فإن مصر هي آخر الدول المتلقية لتلك الحزمة من السمام، ولذلك فالمسألة ليست حجم المياه القادمة الينا بل صلاحية تلك المياه للشرب أو للزراعة-الأمر الذي نبهت إليه جمعيات البيئة المصرية منذ عام 3891، ولم تتناوله أي مفاوضات بإنشاء جهاز للرقابة بواسطة محطات معملية، توضع بطول ضفاف النيل، لتحدد منشأ الملوثات ونوعياتها. فالمسألة تحتاج إلي انشاء اتحاد اقتصادي، وتعاون فني بين تلك الدول، صونا لصحة سكانها، في المقام الاول وحفاظا علي السلام بين شعوبها، ومصالحها المشتركة.. 


 نشر في  الأخبار يوم 06 - 05 - 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق