الجمعة، 8 فبراير 2013



                    بنية الوطن


بعدما سقط دستور 1971 بقيام ثورة 25 يناير 2011 ، بما احتواه من نواقص وعيوب ، ووعود بعيدة المنال ، انكشفت بعد سقوطه نقاط ضعفه ، وارتسم في الأذهان طيف الدستور الذي يتمناه كل مفكر أو مهموم بشعب مصر .
فالدستور القريب من التطبيق ، والمعبر عن حقيقة صورة البلاد ، يجب أن يعطي انطباعة شاملة يتخيلها كل قاريء أو مواطن ، حتى تنطبع في الأذهان عدة صور متحركة تدور في المخيلة وتسكن في الوجدان ، وعندئذ يترسخ انتمائه لوطنه وتتقوي عزيمته على الدفاع عن كيانه .

فالمواطن هو الذي يضع القوانين وتكتب بإسم الشعب الأحكام القضائية ، فعليه أن يؤدي واجباته الذي يستحق عليها مكافأته . فالدستور مثل زجاجة من الدواء ملصق عليها محتوياتها المحكومة بنسب مدونة في دستور دوائي ، ولا يجوز التعديل فيها ، أو في عبوتها ، بالزيادة أو النقصان ، حتى لا يضار متعاطي الدواء بالزيادة ، ولا تقل فاعليته بالنقصان ، ولا تفسد بالتخزين .
تلك المقارنة العلمية استدعت الذهاب إلى رأي جديد يُطرح على أهل الفكر عند اجتهادهم في تدوين دستور عصري يخص بلادنا بالذات .
فبناء على ما ظهر على السطح من خبايا ونوايا ، كانت غاطسة ، إلى أن سنحت لها الفرصة بأن تصيح وتزعق في الميادين ، لتشيع البلبلة الهوجاء وتدعو إلى الهياج ، فطغى صوتها الأجش على الحوار الخافت للعقلاء ، ونداء ذوي الحنكة والرصانة والتقوى العميقة والإيمان الراسخ ... حتى أُتيح لكل مخرّف وواهم ، أو حاقد وطامع ، أن يتحدث عن: "تقسيم مصر إلى مقاطعات ، وأن سيناء من حق الفلسطينيين -ومنهم طبعاً إلى الإسرائيليين- وأن مياه النيل ستصبح منحة من بلاد منابعه ، وأن أراضي مصر معروضة للبيع لغير المصريين !!..." وما إلى ذلك من تراهات وهرتقة .



لذلك كان لزاماً علينا أن نقترح ديباجة للدستور المصري الحديث . فالزمان غير الزمان الذي مضى ، والعلاقات غير العلاقات التي كانت ، بحيث تكون تلك الديباجة جزءاً لا يتجزء من دستورنا ، ودعامة له ، وبغير لبس أو غموض ، حتى يقوم كل مصري بواجبه نحو وطنه ، ويدافع عنه ، ويكون كل مشرع على علم بما يشرعه ، ويمنع كل قائد نزيه ، عن الميل أو الهوى .... فيكون قراره ، بالتحريم أو الإباحة أو بالدفاع عن الوطن ، قرار شعب ، وليس قرار فرد .
فيجب أن يقدّم الدستور الجديد ، صورة كاملة لذلك الكيان العظيم من حدود مسجلة دولياً ، ونيل يروي أراضيها ويعطي لشعبها الحياة ، كما يحمي ما في أجوائها من طير وما في صحاريها من حيوان نادر وما في بحارها من أسماك ومرجان ، وما فيها من محميات طبيعية وما في باطن مياهها الإقليمية من ثروات تكمن فيها مصادر طاقاتها الطبيعية ، وبحيرات ، وقناة حفرتها أيادي أبنائها ، فوصلت بين بحرين عظيمين وجمعت بين قارتين ، وما فيها من آثار –منتشرة عالمياً- لحضارات سكانها بكل مكوناتها البشرية من بدو ، ونوبيين ، وعربان ، عاشوا على مر العصور الفرعونية والإغريقية والرومانية والمسيحية والإسلامية ، وعلى الخصوص أراضي فضاء لا يجوز لغير أولادها أن تُستغل أو تُمتلك ..... وكلها مكونات توجب –عند التعرض لها ، داخلياً أو من الخارج- الدفاع عنها شعبياً أو عسكرياً .                                                           
                                                                                                                  د.جمال غوردون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق