الاثنين، 4 مارس 2013

بين التردد ... والاقدام !
                                                             
               أذهب أم أتوارى ــ أبوح أم أصمت ــ أدلى برأيى أم أقاطع ـــ وغيرها من جحافل أخرى من التحوطات ، والتوجسات ، والخلجات ، التى تطرأ على عقل الانسان ، وتتخلل ثناياه ، سعياً وراء اتخاذ قرار فيما هو مطروح عليه ، أو يطلب منه ،الادلاء برأيه فيه ، سواء بالموافقة أو بالرفض ، بالتصديق أو بالمعارضة ، بالافتاء أو بالاحجام عنه ، وبخاصة فى أمر لا يعنيه وحده ، فحسب ، بل يخص قومه وجماعته، وبنى وطنه أجمعين .


فمساءلة النفس تلك ، فى حد ذاتها ، لا تنبع من ضمير منعدم ، ولا تخرج عن عقل سقيم ، بل هى الضمير الحى ، غير المنحاز ، والمبعد عن التحزب ، أو المتأثر بالغوغائية الغاشمة .
فالأمر هنا استفتاء مصيرى ، والاحجام عنه ليس من الفضائل ، بل التردد فى اعطاء الرأى يعنى الابتعاد عن صحيح "المواطنة" ، وهو ليس من شيم الأحرار ، بل من طبائع المقيدين .
 فعندما وضع الأغريق دستورا ، تحلى بحكمة أرسطو وافلاطون ، وكان الهدف منه التحلل من العبودية ، والرضوخ ، والخضوع ، التى مارسها الطغاة ، والحكام المستبدين من عهد الفراعنة ، أو خضوع المحكومين بعظماء بلاد الفرس ، بزغت فكرة "المواطنة" ، أى اعتبار كل شخص يعيش على اراضى الاغريق بأنه مواطن ، حتى وأن كان غريباً ، فله الحق فى المعيشة ، بحرية فى العمل ، وانطلاق الرأى ، وكان وصف الحياة فى ظل الدستور ، هى "الحياة الطبيعية للانسان الطبيعى" ــ ولا تفسير للمواطنة سوى أنها حق فى الحياة الطبيعية لكل انسان ، وهى أيضا عبارة "ثورية" الى اليوم .
وكما قال " بسكال" فالانسان يميل دائما الى التغيير حتى لا يعتريه الملل ، مهما كان التغيير محدوداً ، إلا أنه يبعث الحيوية ، والتوثب ، فى النفوس الراكدة ، فيقول "أن البشر يبذلون كل جهدهم ليجعلوا الحياة فى حالة تدفق وجريان . لأن الراحة التامة ، هى الموت ــــ والانسان لا يكره بقدر ما يكره ، الراحة التامة من غير أن ينخرط فى هيام مستمر أو أنفعال ، أو عمل . بل حتى الحيوان ، قال عنه "داروين" ، أن لدى بعضه غريزة التغيير، فله نزواته ، ونفوره ، واستعذابه للجمال ــ لمجرد التغيير من وقت الى أخر" !
ومعنى ذلك ، أن مقاومة التغيير ، هو رفض للمواطنة، التى تحرر الانسان من القيود ، وأن المناداة بالاستفتاء ، يؤكد ذلك المعنى ، اذ لجأ الحاكم الى استطلاع رأى المواطن ، ليقف على ركيزة ديموقراطية ، فلم يمنع أى قلم ، أو صوت ، من القول الحر ، لكل من تطوع بعرض رأية . أما الساكتون ، فلا عذر لهم عن سكوتهم ، أو عن همسهم ووساوسهم .
فأن أخذنا الأمر بمنطق الواجب ، فأن المجند لا يؤخذ رأيه عند تجنيده ، لأنه واجب وطنى ، والمريض لا يؤخذ رأيه فى علاجه ، لأن شفائه عمل انسانى ،ولا يسأل المصلى عن سبب صلاته ، لانه فرض دينى ، ، وسواء ،أكان دستور قديم أو دستور جديد ، فان الاستفتاء عليه، واجب قومى ، لأنه الشكل الذى يختاره الناس من واقع حالهم وعقيدتهم ، وموروث تراثهم ، لانتظام الحياة العملية ، والتنسيق بين السلطات ، على اساس من العدل والمساواة فى الحقوق ، والتكافل ، والواجبات .
ولئن كانت هفوة الدساتير بألف هفوة ، أو كما يقولون أن "غلطة المعلم بألف" ، فأن المطلوب هو التقدم ، فى حد ذاته ، والوقوف أمام صندوق الاستفتاء هو واجب على مواطن يشعر بالمسئولية ، حتى وأن كانت اجابته "بالسالب" ، فذلك دليل صحى على أن هناك رأى ، ونبض حيوى ، وشجاعة ، وحرية عند من يقدرون شأن المواطنة .
ولم يقاطع المواطن الأوروبى الاستفتاء على "الدستور الأوروبى الموحد" وذلك من واقع تحضره ، وكان ذلك سبباُ من أسباب مراجعة نصوصه للأفضل .
فعلى الله الاعتماد ، بالاقدام من غير تردد ، أو إحجام .
                                                         بقلم :  د/ جمال غوردون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق